الجمعة، 23 يوليو 2010

مقدمّة لا بد منها عن ألزعيم أنطون سعادة


- ولد في الأول من آذار عام 1904 في بلدة الشوير - جبل لبنان. والده الدكتور خليل سعاده (طبيب، وصحافي معروف، كاتب ومترجم، وله قاموس شهير إنكليزي - عربي) والدته السيدة نايفة نصير خنيصر من مواليد الشوير، هاجرت أسرتها في أواخر القرن التاسع الى الولايات المتحدة. توفيت عام 1913 في القاهرة اثناء وجود العائلة هناك.
- تلقى علومه الأولى في مدرسة "الفرير" في القاهرة، وبعد وفاة والدته عاد الى الوطن ليعيش في كنف جدته حيث سافر والده للعمل في الأرجنتين، وأكمل علومه في مدرسة برمانا، وفيها سجل أبكر مواقفه القومية ضد الاستعمار حيث قام بإنزال العلم التركي عن سارية المدرسة ومزقه. عام 1919 هاجر مع اخوته الى خاله في الولايات المتحدة الأميركية، وهناك عمل عدة اشهر في محطة للقطارات ريثما ينتقل الى البرازيل حيث المقر الجديد لعمل والده.

- في البرازيل اقبل سعاده على نهل العلوم بمواظبة واهتمام بالغين، متتلمذاً على يد أبيه، وانكب على دراسة اللغات بجهد شخصي (البرتغالية الألمانية والروسية). ثم اتجهت قراءاته إلى الفلسفة والتاريخ والإجتماع والسياسة. وما لبث أن شارك والده في إصدار جريدة الجريدة، ثم في مجلة "المجلة" وقد اقتصر دوره في البدء على الطباعة إضافة لبعض الأعمال الإدارية والمالية.

- ظهرت كتاباته الأولى عندما كان في الثامنة عشرة. ونشر خلال عامي 1922 - 1923 عدة مقالات طالب فيها بإنهاء الاحتلال الفرنسي واستقلال سوريا، وكان أول من استشرف مشروع الحـركة الصهيونية وخطره على سوريا الطبيعية رابطاً بين وعد بلفور بـ "وطن قومي لليهود في فلسطين" وبين اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت سوريا الطبيعية إلى خمس كيانات، وكان من جرائها سلخ 180 ألف كلم مربع من أراضيها وإخضاعها للاحتلال التركي، إضافة إلى إخضاع الأهواز للاحتلال الإيراني.

- حاول عام 1925 تأليف حزب لتوحيد أبناء الجالية السورية في البرازيل باسم "الشبيبة الفدائية السورية"، لكنه لم يلاق نجاحاً. وأعاد المحاولة عام 1927 فأسس "حزب السوريين الأحرار"، الذي توقف نشاطه بعد ثلاث سنوات.

وإثر توقف مجلة المجلة عن الصدور (1928) انصرف انطون سعاده إلى التعليم في بعض المعاهد السورية في سان باولو، كما شارك في بعض اللجان التربوية التي أقامتها الحكومة البرازيلية للإشراف على تطوير المناهج التعليمية، وفي هذه الفترة كتب رواية "فاجعة حب" التي نشرت فيما بعد في بيروت، وفي صيف 1931 أصدر روايته الثانية "سيدة صيدنايا".

 

تأسيس الحزب
- في تموز 1930 عاد الى الوطن، وبعد إقامة قصيرة في ضهور الشوير سافر الى دمشق لدراسة إمكانية العمل السياسي فيها، كونها العاصمة التاريخية لسورية ومركز المعارضة السياسية للانتداب الفرنسي، فمارس التعليم لتأمين رزقه، وكتب سلسلة من المقالات في الصحف الدمشقية "اليوم، القبس، ألف باء"، لكنه سرعان ما عاد الى بيروت (1931) وبدأ بإعطاء دروس من خارج الملاك في اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية. وقد أتاح له التدريس ساحة واسعة للحوار الفكري مع الطلبة والوسط الثقافي، إضافة الى منابر فكرية أتاحتها له عدة جمعيات ثقافية في بيروت، منها : العروة الوثقى - جمعية الاجتهاد الروحي للشبيبة - "النادي الفلسطيني". وقد حفلت هذه المحاضرات ببواكير فكره القومي الاجتماعي في مرحلة ما قبل إعلان الحزب، وهو ما تمخض عنه فيما بعد العقيدة القومية الاجتماعية، المنهج الفكري للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه في 16 تشرين الثاني 1932 ، وكان حزباً سرياً بسبب الظروف الصعبة الناجمة عن الانتداب الفرنسي على لبنان والشام.

- عام 1933 أعـاد انطون سعاده إصدار "مجلة المجلة" في بيروت لتساهم في توضيح أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية، وعلى صفحاتها ظهرت في الوطن، ولأول مرة، دراسات تحليلية لموضوع "الأمة" استناداً إلى علم الاجتماع الحديث، وبرؤية مستقلة عن نظريات الغرب التي فلسفت الأمة من منظور عرقي،.. وسياسي أحياناً أخرى.

- حزيران عام 1935، وبعد أن أصبح انتشار الحزب ملموساً في الأوساط الشبابية والثقافية، أقام سعاده الاجتماع العام الأول رغم سرية الحزب، وفي هذا الاجتماع ألقى خطاباً مكتوباً هـو من أهم الوثائق الفكرية في العقيدة السورية القومية الاجتماعية، ودليل عمل حركة النهضة القومية الاجتماعية التي يهدف إليها الحزب، لكن سلطات الانتداب سرعان ما اكتشفت أمر الحزب نتيجة معلومة نقلها رئيس الجامعة الأميركية بايار
دودج إلى السلطة الفرنسية، فاعتقلت في 16 تشرين الثاني 1935 سعاده وعدداً من الأعضاء بتهمة تشكيل جمعية سرية والإخلال بالأمن العام والإضرار بأمن الدولة وتغيير شكل الحكم.


- وكان هذا الاعتقال الامتحان الأول لمتانة الحزب بعد التأسيس. وظهرت خلال تجربة السجن، ومن ثم المحاكمات، ميزات شخصية سعاده، كمفكر وزعيم نهضة، حيث أعلن لمعتقليه مسؤوليته الكاملة عن تأسيس الحزب شفوياً وخطياً، فأصدرت سلطات الانتداب الفرنسي قراراً بسجنه ستة اشهر، أكمل خلالها كتابة مؤلفه العلمي "نشوء الأمم" الذي صدرت طبعته الأولى عام 938. وخرج من السجن في 12 أيار 1936.

- أثار انكشاف الحزب المزيد في الاوساط الشعبية، ونشطت حركة الانتماء الى صفوفه، مما دفع بالقوى الموالية للانتداب وبالفئات الطائفية والانعزالية والتقليدية إلى التكتل لمحاربته.

- اعتقلت سلطات الانتداب سعاده مرة ثانية في 30 حزيران 1936 (أي بعد أسابيع من الإفراج عنه) وظل في السجن الى 12 تشرين الثاني 1936 وخلال هذه الفترة أنجز سعاده كتابه شرح مبادئ الحزب وغايته.

- أعيد اعتقاله في 9 آذار 1937 وظل في السجن حتى 15 أيار 1936.

- 14 تشرين الأول 1937 اصدر جريدة النهضة التي استقطبت النخبة الثقافية الشابة، وكانت صفحاتها منبراً للحوار بين السوريين القوميين الاجتماعيين ومختلف الفئات الفكرية والثقافية والسياسية في لبنان وكيانات الأمة السورية، وكان سعاده يكتب بشكل يومي، ويتناول مسائل السياسة الخارجية والأمور الفكرية والردّ على القوى السياسية المناوئة، وقد حظيت ردوده القومية على البطريرك الماروني والأحزاب الانعزالية في لبنان والشام باهتمام كبير من مختلف الأوساط. وأضاءت باكراً على المخاطر الناجمة عن الخلط بين الديني والسياسي في لبنان. وعلى الطوائف التي تحول دون قيام المجتمع المدني وتقدم حركة النهضة القومية.


الاغتراب القسري
- في ربيع 1938، ونتيجة الانتشار الواسع للعقيدة القومية الاجتماعية في كيانات الأمة، بادرت سلطات الانتداب الى المزيد من التضييق على الحزب، وفي 11 حزيران غادر سعاده الوطن في جولة على فروع الحزب في المغتربات. وسافر براً من بيروت إلى الأردن ومنها إلى فلسطين، حيث اجتمع مع السوريين القوميين الاجتماعيين في عمان وفي حيفا. ثم إلى قبرص، والمانيا،.. ومنها سافر إلى البرازيل، حيث استقر في سان باولو مرتع صباه (كانون الأول 1938). وفور مغادرته بيروت قامت سلطات الانتداب بمداهمة مركز الحزب، وعطلت صحيفة النهضة، وحظرت على السوريين القوميين الاجتماعيين ممارسة العمل الحزبي، كما أصدرت مذكرة قضائية بمحاكمة سعاده.

- حاولت فرنسا عبر ديبلوماسييها الضغط على الحكومة البرازيلية لمنع سعاده من مزاولة العمل الحزبي في أوساط المغتربين السوريين
، وفي 23 آذار من العام ذاته أقدمت قوات الأمن في البرازيل على اعتقال سعاده وعدداً من رفقائه، بتهمة "المس بسلامة العلاقات الانترناسيونية للدولة البرازيلية". ولكن أوساط الجالية السورية وبعض المثقفين البرازيليين سارعوا إلى الدفاع عن سعاده، فأرسل رئيس جمعية الصحافة في سان باولو رسالة استفسار إلى دائرة الأمن العام، خصوصاً أن الحكومة الفرنسية كانت قد طلبت عن طريق قنصلها في البرازيل بتسليم انطون سعاده ليمثل أمام محاكم سلطات الانتداب، لكن الحكومة البرازيلية رفضت ذلك، وبعد تحقيق قضائي دقيق أعلنت المحكمة البرازيلية براءته من التهم الموجهة اليه، وأفرجت عنه وعن رفقائه في 30 نيسان 1939.

- بعد خروجه من السجن بأسبوعين غادر سعاده الى الأرجنتين. ومكث فيها حتى أيار 1940. وهناك حاول تجديد جواز سفره، لكن السفارة الفرنسية في بيونس ايرس رفضت ذلك. وفي 20 آب من العام ذاته أصدرت سلطات الانتداب الفرنسي في لبنان حكماً غيابياً قضى بسجن سعاده عشرين عاماً، ونفيه من لبنان عشرين عاماً أخرى، فاصبح بحكم الأسير داخل الأرجنتين لا يستطيع مغادرتها، وظل في مغتربه القسري حتى عام 1947. وأصدر خلال هذه الفترة جريدة "الزوبعة" التي كانت منبرا متميزاً للصوت القومي، وعلى صفحاتها ظهرت أهم كتاباته السياسية والفكرية والأدبية. وكان قد تعرف على الرفيقة جوليت المير، وهي من عائلة طرابلسية مقيمة في الأرجنتين، فتزوجها عام 1941، وأنجب منها في المغترب كريمتاه صفية واليسار، أما راغدة فولدت بعيد عودة العائلة الى الوطن.

- بعد جلاء القوات الفرنسية عام 1946 حاول العودة الى لبنان لكن تحالف بشارة الخوري (رئيس الجمهورية) ورياض الصلح (رئيس الحكومة) كان يعرقل عودته بحجة الحكم القضائي الصادر بحقه منذ أيام الانتداب.


 
العودة إلى الوطن
- في أواخر 1946 قرر سعاده العودة نهائياً إلى لبنان، ضارباً عرض الحائط ممانعات حكومة رياض الصلح وعراقيلها. فأنهى أعماله التجارية، وكان قد تمكن من الحصول على جواز سفر مؤقت من السفارة الفرنسية في الأرجنتين يتيح له السفر إلى البرازيل، وهناك تمكن بمساعدة رفقائه من الحصول على جواز سفر لبناني، وغادر البرازيل جواً إلى القاهرة في 18 شباط 1947، وفيها التقى برئيس المجلس الأعلى في الحزب الأمين نعمة ثابت وأسد الأشقر، حيث تباحث معهما بأمر العودة إلى الوطن، والموقف السياسي المتوجب اتخاذه حيال هذه الخطوة، في هذا اللقاء تأكد لسعادة أن المجلس الأعلى في الحزب اتخذ قراراً بتكييف سياسته مع النزعة اللبنانية للعهد الذي ورث تركة الانتداب.

- في 2 آذار 1947 وصلت طائرة سعاده إلى بيروت وكان في استقباله حشد شعبي كبير من سائر كيانات الهلال الخصيب، وألقى في هذا الحشد التاريخي خطاباً نوعياً هز أركان الحكم آنذاك، حدد فيه موقفه من استقلال لبنان والاحتلال الصهيوني لفلسطين، معيداً الحزب إلى مبادئه القومية، وأمام هذا الوضوح الجريء، لم يكن مستغرباً اندفاع أعداء الحزب في حملة سريعة لاحتواء الموجة القومية العارمة التي هزت أركان الحكم، فأصدرت الحكومة اللبنانية في أعقاب الاستقبال الكبير مذكرة توقيف بحق أنطون سعاده ، وسيّرت حملات بوليسية لاعتقاله، لكنه لجأ إلى الجبل في منطقة المتن، وكانت الحكومة تخشى نتائج عـودة سعاده على الانتخابات النيابية المقررة في أيار 1947، فعرقلت نشاطات الحزب، وأصدرت قراراً بتعطيل جريدة "صدى النهضة" الناطقة باسمه، لكن سعاده استعاض عنها بجريدة "الشمس" التي عطلت بدورها،.. فتحول إلى مجلة "الكوكب" حتى آذار 1948 حيث أصدر جريدة "الجيل الجديد"، وكانت الحكومة قد ألغت مذكرة التوقيف في تشرين الأول 1947. 

الثورة والاستشهاد
- فور عودة سعادة إلى الوطن خاض معركة إعادة الحزب إلى مساره القومي الاجتماعي في مواجهة بعض أعضاء إدارته العليا. وعندما لم تفلح المعالجات الهادئة لعملية الانحراف العقائدي أصدر مرسوماً بطـرد رموز الانحراف وعلى رأسهم نعمة ثابت ومأمون أياس ثم فايز الصايغ لاحقاً.

- بعد انتهاء مفاعيل مذكرة التوقيف، وحسم الخلافات الداخلية في الحزب، تفرغ سعاده للعمل العلني في مواجهة الأوضاع القومية المصيرية، وبصورة خاصة مسألة الاغتصاب اليهودي لفلسطين، ومع اقتراب ذكرى وعد بلفور (تشرين الثاني 1948) التي تزامنت مع اجتماع الأمم المتحدة للنظر في الصراع القائم بين أبناء شعبنا في فلسطين والمستوطنين اليهود - الذين كانوا يتوافدون مع أسلحتهم من كافة أنحاء أوروبا وأميركا - أعد سعاده لمهرجان شعبي كبير في بيروت تعبيراً عن الرفض القومي لمشروع تقسيم فلسطين، لكن الحكومة اللبنانية عطلت المهرجان، فأصدر سعاده بيانه الشهير حول المسألة الفلسطينية داعياً فيه إلى إطلاق حركـة مواجهة قومية شاملة وإلى تنظيم المقاومة الشعبية المسلحة، مستنهضاً طاقات الأمة لمواجهة الكارثة المقبلة، في 29 تشرين الثاني 1947 أعلنت الأمم المتحدة قرارها الشهير بتقسيم فلسطين، وعبثاً حاول الحزب الاشتراك الواسع في الأعمال العسكرية أثناء حرب 1948، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية حالت دون ذلك بجميع الوسائل، لكن السوريين القوميين الاجتماعيين في فلسطين ولبنان والشام والأردن تمكنوا من المشاركة في جيش الإنقاذ،
وقدموا عدداً من الشهداء. وإزاء النكبة بإعلان قيام "إسرائيل" دولة على أرض فلسطين، رأى سعاده أن الاعتماد على القوى السياسية المهيمنة على الأنظمة في الكيانات السورية أمر جدوى منه، وبدأ العمل بهدوء لتشكيل جهاز قيادي من أعضاء الحزب يتولى إطلاق حرب التحرير الشعبية، وأسس فرقة الزوبعة الحمراء بقيادة الرفيق مصطفى سليمان كنواة لحركة المقاومة القومية، وبموازاة هذه الخطوة ركز على إعادة بناء الحزب فكرياً وتنظيميا ، باذلاً المزيد من الجهد على إعداد الأجيال الجديدة، خصوصاً الطلبة الجامعيين، فأعاد نشاط "الندوة الثقافية" وفتح أبوابها أمام مختلف المثقفين، وقد نجح بمحاضراته في إطلاق حالة معنوية كبرى في لبنان والشام والأردن وفلسطين، تحول الحزب جراءها إلى قوة فكرية تنظيمية متفوقة فرضت حضورها القوي على الحياة السياسية في لبنان والشام والاردن، شكلت تياراً ضاغطاً على الأنظمة الكيانية المتخاذلة التي أحست بالحرج الشديد. وكان رد فعل الحكومة اللبنانية مباشراً، إذ أصدرت سلسلة قرارات منعت بموجبها الحزب من عقد الاجتماعات العلنية، وأدى تعسف حكومة رياض الصلح إلى حدوث عدة صدامات بين أعضاء الحزب والسلطة خلال احتفالات الأول من آذار 1949.


- في أواخر آذار 1949 قام حسني الزعيم بانقلاب عسكري في دمشق، وأعلن في حينه أن خطوته تلك جاءت رداً على نكبة فلسطين، في هذا الوقت كانت السلطة اللبنانية تنسق مع الأحزاب الطائفية والانعزالية الداعمة لها لإنزال ضربة قاصمة بالحزب. وكانت الخطة أن يفتعل حزب الكتائب اللبنانية صداماً مسلحاً مع السوريين القوميين الاجتماعيين يكون مبرراً لزج سعاده وأعضاء حزبه في السجن. وحسب الخطة ذاتها، قامت عناصر من الكتائب اللبنانية بمهاجمة مطبعة جريدة "الجيل الجديد" في الجميزة وأحرقتها، وكان ذلك فاتحة إعلان الحرب على الحزب، إذ بادرت سلطات الأمن إلى مداهمة مراكز الحزب وبيوت محازبيه، واعتقلت أعضائه في لبنان، لكن الحكومة لم تنجح في اعتقال سعاده الذي تمكن من مغادرة بيروت، وبعد أيام وصل إلى دمشق بعد أن جاءته ضمانات من حسني الزعيم بمنحه اللجوء السياسي. وهناك بادر إلى التحضير لعمل منظم يحمي الحزب من الاندثار أمام شراسة السلطة في لبنان، فأعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى على النظام. ولم يكن سعاده يعرف وقتها أنه استدرج إلى فخ في دمشق، ولكن، لم تمض أسابيع حتى سارع حسني الزعيم بالتنسيق مع السفارة الأميركية في دمشق، وإثر لقائه مع موشيه شاريت "وزير خارجية الكيان الصهيوني" إلى اعتقال أنطون سعاده في 6 تموز
1949. وسلمه إلى الأمن العام اللبناني في السابع من تموز، وكان الاتفاق بين حسني الزعيم ورياض الصلح أن تتم تصفية سعاده في الطريق إلى بيروت، لكن الضابط فريد شهاب أبى تنفيذ الأوامر المعطاة لـه. وسلم سعاده إلى نور الدين الرفاعي قائلاً: "إني أسلمك انطون سعاده حياً ولا أريد أن يحمل أحدنا ثأر القوميين". لكن سعاده أعدم فجر الثامن من تموز بعد محاكمة صورية جرت بسرية تامة، ولم يعط محامي الدفاع الوقت لإعداد مرافعته، واعتبرت وصمة في تاريخ القضاء اللبناني، فقد شكل إعدامه أشهر ملف اغتيال لزعيم سياسي ومفكر قومي تآلبت على نهجه الثوري القوى التقليدية المتحالفة مع أميركا وإسرائيل، والأنظمة المتضررة من دعوته العنيدة لتوحيد كيانات سوريا الطبيعية وإقامة جبهة عربية واحدة على غرار الوحدة الأوروبية التي نشهد اليوم ارتفاع مداميكها.

استشهد سعاده فجر الثامن من تموز 1949، قائلاً لجلاديه : أنا أموت أما حزبي فباقٍ. وكان استشهاده أفصح درس تعلمته الأجيال الناهضة في الفداء القومي.

الأربعاء، 21 يوليو 2010

حول فكر سعادة



عُقدت في دمشق مؤخر ا   (2009  ندوة حول المفكر أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، بمناسبة مرور ستة عقود على رحيله.

وتحدث الباحث د. سامي مبيض في البداية عن حياة سعادة، مشيرا إلى أنه خلال بحثه في الوثائق البريطانية والفرنسية والأميركية، تبين له أن ملف سعادة ما زال مغلقا حتى اليوم، باعتباره "أخطر رجل عربي كان موجودا في منطقة الشرق يهدد المصالح الفرنسية والبريطانية، لأنه في مشروعه السياسي ورؤيته استطاع أن يتحدى مشروع سايكس بيكو."

وأضاف مبيض "كل الوثائق تشير إلى أن أفكار سعادة وتوجهاته كانت تتعارض مع أفكار الفئة الحاكمة في سوريا، أي الحزب الوطني في ذلك الوقت، بسبب علمانية أنطون سعادة وإيمانه بتحدي الحدود التي فُرضت على المنطقة من خلال سايكس بيكو، ولكن كان هناك احترام متبادل تحديدا من صناع الاستقلال في سوريا، وكانوا ينظرون له كشخصية وطنية كبيرة يجب الاحتفاء بها، واستثمار وجودها داخل الأراضي السورية لرفع شعبيتهم بعد هزيمة فلسطين عام 1948".

من جانبها تحدثت الباحثة د. أمل يازجي عن مسألة الطائفية وعلمانية الدولة عند أنطون سعادة، مشيرة إلى سؤالين طرحهما سعادة في أدبياته، وهما: من نحن؟ وما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟

وأضافت "الزعيم (أنطون سعادة) بمنتهى البساطة قدّم نظرية متكاملة حول سؤال من نحن؟ أي أنه قدّم الهوية السورية بصورتها القابلة للنقاش والتطور لكنها جدا مقنعة."

وقالت يازجي إن سعادة رأى الدولة العلمانية هي الحل، مشيرة إلى أن ركيزته الأساسية لبناء الدولة كانت العلاقة المواطنية القائمة على تربية المواطن على مجموعة الحقوق والواجبات في منظومة التساوي التي تنطلق من أساس الاحترام المتبادل "وأن السلطة هي سلطة زمنية وليست دينية، أي أن الشأن الذي يربط ما بين الأشخاص أفقيا هو شأن زمني يحدده الأشخاص، وتحكم عليه مجموعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات الآنية المحكومة بمنظومة بشرية فقط."

وتابعت يازجي "هذا المبدأ جاء في مقولة الزعيم (أنطون سعادة) فصل الدين عن الدولة، فالزعيم يرى أن للدين دورا، إنما دور اجتماعي يختلف تمام الاختلاف عن الدور السياسي الذي يلعبه الآخرون في ملعب آخر، حيث أن الدولة هي حقيقة سياسية والسياسة هي من اختراع البشر وليست من اختراع الآلهة، وقد تبين لكثيرين فشل نظرية حكم الآلهة، لأنه غالبا ما يتمرد البشر على حكم الآلهة، فكان لابد أن يكون للدين دوره وللدولة دورها."

وأشارت يازجي إلى أن الدولة في فكر سعادة تقوم أساسا على مفهوم "تربية المواطنة"، فـ"جميعنا في المجتمعات العربية مجرد أفراد طموحين لبناء علاقة مواطنة، التي تعني أن لنا حقوقا وواجبات نحن من نصوغها في عقد اجتماعي نفوّض بموجبه السلطة الحق في إدارة شؤوننا، السلطة تخدمنا حتى تستمر بالبقاء، يعني العلاقة أفقية وليست شاقولية كما نتصورها- الخشية والخوف من الحاكم".

واردفت قائلة "الدولة الدينية الحاكم فيها هو المؤسسة الدينية، لأن الله كائن غيبي لا يمكن أن يحكم، الموجود هو المؤسسة الدينية وهم بشر، أي أنهم يتحدثون ويحددون شروط اللعبة واللاعبين، بين مؤمنين وكفرة، ومن يريد أن يلعب ضمن شروط اللعبة هو موافق عليه ضمن الدولة الدينية، ومن لا يريد أن يلعب ضمن هذه الشروط هو شخص مرفوض وخارج، وبالتالي فالدولة الدينية ضمن شروط الدولة الدينية هي دولة استبدادية لأنها ترفض الآخر، ولا بد في الدولة العلمانية أن تقبل الجميع."

وتساءلت يازجي "لماذا الدولة العلمانية هي الحل لنا في الشرق السوري؟ مجيبة "نحن موزاييك، أعراق وأقوام وأشكال وطوائف وديانات وثقافات ولغات وحضارات، لا يمكن أن نكون كلنا بالمزيج السوري إلا ضمن حكم علماني."
 

                                 
 
لكن يازجي أشارت إلى أن طرح سعادة لمبدأ أن "العقل هو الشرع الأعلى للإنسان" لم يعد مناسبا، مشيرة إلى أن "كل ما يُطرح أمامي إن لم يَعمل به العقل ويُعمله العقل، فهو منظومة خارجة عن سيطرتي وبالتالي خارجة عني. في الطرح الديني الغيبي، لا يمكن أن يستقيم العقل لأنه مُلزم بالطاعة."

وقالت يازجي إن سعادة في طرحه لعلمانية الدولة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وضع أسسا لمشروع الدولة الحديثة، أو لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة، مشيرا إلى أنه "لا بد أن تكون الدولة التي نعيش فيها دولة علمانية، هذه الدولة التي تعتمد على الطريقة الديمقراطية في الحكم، القائمة على الحرية في الاختيار."

وأضافت "أعتقد أن خيار الدولة العلمانية كما طرحه الزعيم في السؤال الفلسفي: ما دور الدولة ولما الدولة موجودة؟ لا يمكن أن يستقيم إلا في نظام حر تماما، قادر على اختيار المفاهيم والمعطيات التي تحكمه، وقادر على أن يُسيّر المجموعة البشرية التي ترتضي نظام هذا الحكم، بمشروع حضاري تتوافق عليه جميعها، لنصل في النهاية إلى الدولة السورية القومية الاجتماعية ."
                    
من جانبه، قال المستشار القانوني داوود خير الله "إن ما يدعو إلى الإعجاب الهائل بما قام به الزعيم، أنه في فترة زمنية قصيرة جدا استطاع أن يجيّش ويحمّس عدد كبير من الشباب حيث يدخل الشخص إلى الحزب القومي السوري جاهل ويصبح في وقت قصير مثقفا."

وأكد أن سعادة لاحظ أن الإنسان السوري يضع جهودا عقلية كبيرة في أمور خاصة تهم حياته، ولا يعطي جهدا عقليا لأي شيء يتعلق بالشأن العام، مشيرا إلى أنه ركّز على الشباب لأنه اعتبر أن المستقبل بيدهم، لذلك حاول تحفيزهم بقوله "إن فيكم قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، إن لم تكونوا أحرارا من أمة حرة، حريات الأمم عارٌ عليكم."

ولفت خير الله إلى التناقض والصراع الذي حدث بين القوميين العرب والقوميين السوريين، مشيرا إلى أن الخلاف تركز حول المبادئ الأساسية التي وضعها سعادة والتي يدعو فيها إلى وحدة العالم العربي من خلال مجمّعات أربعة "سوريا الطبيعية" و"وادي النيل" و"المغرب العربي" و"الجزيرة العربية"، معتبرا أن على هذه المجمّعات أن تتحد أولا وتلعب سوريا دور العقل والقلب في توحيدها."

وأضاف "أتمنى أن يلتقي المفكرون القوميون ويدركون أن هذا الخلاف لا أساس له، وعموما أعتقد الآن أن سوريا تلعب دور العقل والقلب والمدافع عن الحقوق في العالم العربي ".

الجمعة، 16 يوليو 2010

ألزعيم أنطون سعادة



                                                                                     
اذا قلت: الزعيم. ولم تسمّي........فلا يحتاج سامعك السؤالا.

هو انطون سعادة ابن الشوير,صاحب العرزال.
.
جاء سابقآ للزمان الذي وجد فيه,صاحب نهضة قومية قل مثيله, نادر ان يكون مؤسس حزب وزعيمه صاحب عبقرية فذّة وفكر وشجاعة مثلى وعزم لا ينحني.

هو أنطون بن خليل سعادة مجاعص، ولد في الأول من آذار عام 1904 في الشوير قضاء المتن (من محافظة جبل لبنان) من أبوين شويريين لبنانيين. والده الدكتور خليل سعادة كان طبيباً وعالماً وأديباً، ومن أبرز القادة الوطنيين في المغترب اللبناني في البرازيل، أسس عدة جمعيات وأحزاب مهجرية وطنية وقومية، كما أنشأ صحيفتي (المجلة) و(الجريدة) في سان باولو في البرازيل.

تلقى أنطون سعادة سنة 1909 المبادئ الأولية للقراءة والكتابة في مدرسة الشوير على يد المعلم حنا رستم، ثم أكمل دراسته الثانوية في معهد الفرير في القاهرة حيث كان والده قد التجأ، ثم في مدرسة برمانا في جبل لبنان.

سنة 1919، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ترك سعادة وطنه، بعد أن شهد بنفسه آثار المجاعة إبان الحرب، وغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم في عام 1921، انتقل إلى البرازيل حيث أسهم مع والده الدكتور خليل في تحرير جريدة (الجريدة) ومجلة (المجلة).

لم يكمل أنطون سعادة تعليمه الجامعي، لكنه درس على نفسه حتى أصبح يتقن عدداً من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، مما أفسح له من خلال مطالعاته بهذه اللغات الحية أن يكمل على نفسه التعمق في العلم والفكر الإنساني في عدة اختصاصات شملت التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية وعلوم الإنسان والأدب.

أسس سعادة في البرازيل جمعية سرية للعمل على تحرير الوطن من الانتداب، كما انخرط في عدة جمعيات لهذا الغرض، لكنه وجد أن النضال الفعلي إنما هو الذي ينطلق من داخل الوطن لا من المهجر. لذلك عاد إلى الوطن في تموز سنة 1930م، ومنها انتقل إلى دمشق سنة 1913 حيث اشترك في تحرير جريدة (الأيام) الدمشقية، ومن ثم عاد إلى بيروت وهو عازم على إنشاء الحزب الدستوري القومي الاجتماعي، مفضلاً الشروع في الوسط الملائم وسط الطلاب، حيث تولى تدريس اللغة الألمانية لطلاب الجامعة الأمريكية. 
                                                               

في 16 تشرين الثاني/1932، أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي الاجتماعي تحت اسم (حزب الشعب السوري) ( S.P.P) من خمسة طلاب في الجامعة الأمريكية، ومن هذا الوسط انتشرت دعوته إلى المناطق بحيث انتظم فيه المئات في غضون السنوات الثلاث الأولى من العمل السري. وقد انكشف أمر الحزب عام 1935 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، فاعتقل سعادة وعدد من معاونيه، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة أقصاها السجن لسعادة مدة ستة أشهر.
 أما مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه سعادة فكانت على الشكل التالي:

 ـ المبدأ الأول: سورية للسوريين، والسوريون أمة تامة.
ـ المبدأ الثاني: القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى.
ـ المبدأ الثالث: القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري.
ـ المبدأ الرابع: الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي.
ـ المبدأ الخامس: الوطن السوري هو البيئة الطبيعية الذي نشأت فيه الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق، ويعبر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص.
ـ المبدأ السادس: الأمة السورية مجتمع واحد.
ـ المبدأ السابع: تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.
ـ المبدأ الثامن: مصلحة سورية فوق كل مصلحة.
أما المبادئ الإصلاحية لهذا الحزب، فتمثلت بما يلي:-
ـ المبدأ الأول: فصل الدين عن الدولة.
ـ المبدأ الثاني: منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.
ـ المبدأ الثالث: إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
ـ المبدأ الرابع: إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
ـ المبدأ الخامس: إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.

أما على صعيد غاية الحزب وخطته فقد عُبر عنها بالتالي: (إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها).

هذا وخلال وجود أنطون سعادة في السجن عام 1935، كتب كتابه الأول (نشوء الأمم)، وبعد خروجه من السجن أُعيد اعتقاله لإعلانه ما سماه قانون الطوارئ تحدياً للسلطة وذلك في عام 1936، وكتب خلال مدة سجنه كتابه الثاني (شرح المبادئ)، وفي أوائل تشرين الثاني خرج من السجن ليعود إليه في أوائل آذار عام 1937، حيث اعتقل وهو في طريقه إلى دمشق لحركة تتعلق في الحزب.
                                                         

خرج أنطون سعادة من سجنه الثالث بعد ثلاثة أشهر، فأسس جريدة النهضة، والتي صدرت لعام واحد، كما تابع قيادته لحزبه حتى مغادرته البلاد عام 1938 لتنظيم الحزب في المغتربات.

أسس سعادة في البرازيل جريدة (سورية الجديدة)، ثم انتقل من البرازيل إلى الأرجنتين وبقي فيها حتى عام 1947، حيث أسس جريدة (الزوبعة)، وكتب كتابه (الصراع الفكري في الأدب السوري)، بالإضافة إلى نشره لمبادئ حزبه أينما حلّ.

لما خرج الفرنسيون من سورية ولبنان، عاد سعادة إلى الوطن في 2 آذار/1947، وأسس جريدة (الجيل الجديد). وقد اتُهم سعادة بتدبير عصيان مسلح في حزيران/1949، فقامت السلطة اللبنانية بتدبير خطة بالاتفاق مع حزب الكتائب، الذي قام بمهاجمة مكاتب الجريدة ومطابعها وتسبب في حرقها، فعمدت السلطة اللبنانية على إثر هذا الحادث المفتعل والمدبر، إلى ملاحقة الحزب، فانتقل سعادة إلى دمشق وهناك أًعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى لإسقاط حكم الطغيان والفساد والتزوير في لبنان في 4 تموز/1949.

أثناء ذلك نشطت الضغوطات الفرنسية، ونجحت في دفع حسني الزعيم الذي كان يتسلم مقاليد الحكم في ذلك الوقت في سورية، إلى تسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية، في 7  تموز/ 1949، حيث استُنطق وحوكم ونفذ فيه حكم الإعدام خلال أربعة وعشرين ساعة، فكانت وفاته فجر الثامن من تموز/ 1949.
ترك أنطون سعادة مجموعة من الكتب أهمها:
ـ كتاب (نشوء الأمم). 
ـ (الصراع الفكري في الأدب السوري).
ـ (المحاضرات العشر).
ـ( قصة فاجعة حب) حيث طبعت مع (قصة عيد سيدة صيدنايا) في كتاب واحد.

الأربعاء، 14 يوليو 2010

أنطون سعاده بقلم إسرائيليين



كتب إلياهو إيلات في العام 1972 نصا تحليليا لشخصية أنطون سعادة وفكره وإيديولوجيته. نشر باللغة العبرية بعنوان «سيرة حياة ثوري عربي. نهج أنطون سعادة»، في دورية «مولاد» الجزء الرابع، عدد 22 في الصفحات 369 ـ 378.
وإيلات مؤرخ ودبلوماسي إسرائيلي، شغل مناصب مهمة: رئيس قسم الشرق الأوسط في الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في القدس، وكان أول سفير لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية ثم في بريطانيا. واحتل منصب رئيس الجامعة العبرية في القدس من 1962 إلى 1968 وله العديد من المؤلفات أبرزها «الصراع من أجل الدولة».
وكتب باحث آخر، هو يوسف أولمرت، مستشرق وشقيق رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت، نصا عن سعادة في كتابه «سوريا المعاصرة».
تميز مقال إلياهو إيلات بغزارة المعلومات التي قال إنه استمدها من خلال معرفته لسعادة شخصيا... وبعد أن عرض دور الدكتور خليل سعادة والد أنطون سعادة في إحياء الفكر القومي في المهجر، ذكر أنه يعرف سعادة الابن من خلال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت. واستهل إيلات مقاله قائلا: «إنني أتكلم هنا عن احد أبطال المعسكر، أنطون سعادة الذي عرفته معرفة شخصية. وقد كتب عنه القليل باللغة العبرية»، كما قال. وأضاف إيلات «حتى الآن لم تحظ شخصيته ونشاطه، كأحد كبار محدثي التغييرات الفكرية والتنظيمية في المعسكر العربي، خلال السنوات العشرين الأخيرة، بتقدير لائق». 


وكتب إيلات «عرفت من سعادة نفسه شيئا ما عن تاريخ نشاطه وأعماله قبل قدومه إلى بيروت». وأشار إلى أن سعادة درس لغات عديدة وهو في البرازيل. علاوة على اللغة العربية ألم بالإنكليزية والبرتغالية والإسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية «الأمر الذي ساعده في رحلاته واتصالاته المختلفة».
واعتبر إيلات أن «سنة 1935 فتحت صفحة جديدة في تاريخ الحزب السوري القومي. فسعادة معتمدا على انجازات الحزب، كحركة سرية وعلى القوة التنظيمية التي أقامها، قرر الشروع في نشاط جماهيري متنوع عبر عقد اجتماعات علنية ومهرجانات لأعضاء الحزب، ونشر مواد مدونة طبعت في مطبعة الحزب في بيروت..». وتحدث عن تغلغل تأثير نفوذ الحزب في الجهاز الحكومي، ليكشف النقاب بعد ذلك عن أن أسد الأيوبي رئيس شرطة بيروت كان «عضوا نشيطا» في الحزب.
ويزعم إيلات أن «أفكار سعادة الاجتماعية والسياسية إنما هي أقرب إلى الفاشية الإيطالية منها إلى مذهب هتلر... لكن هذا العربي الذي اكتسب ثقافته في البرازيل... وجد صعوبة في تقبل العنصرية النازية. وكانت مصادر وحيه كثيرة ومتنوعة».
ويتابع «بدأ أنطون سعادة يعتبر نفسه زعيما قادرا على إحداث تغييرات ثورية في حياة المجتمع العربي. وكانت محاربة الانقسام والتمسك بوحدة الأمة وسمو (مفهوم) الدولة أركان برنامجه الفكري».
وكشف إيلات النقاب عن واقعة أخرى: «سمعت من أنطون سعادة نفسه ومن كبار مساعديه شرحا لحيثيات تمسكهم الفكري والعملي بمشروع سوريا الكبرى». وان هذا المشروع لن يتحقق إلا على مراحل. وكتب «عرفت أنطون سعادة بعد وقت قصير من قدومه إلى بيروت... كان يحرص على شحذ تهذيبه. وكل من التقى به للمرة الأولى يعجب بعينيه الثاقبتين وأسلوب كلامه الحماسي والواثق. متعصب لآرائه وجازم في موقفه، وموهوب بقدرة على الإصغاء... ويعرف كيف يكشف نقاط الضعف لدى الخصم، وضليع بخبرته في القضايا الاجتماعية والسياسية المختلفة».
وقارن إيلات بين حملات موسوليني وهتلر الهجومية الثورية العلنية وبين نشاط سعادة السري الذي «أدى إلى إنشاء نواة من الأنصار المخلصين له ولأفكاره، كي يتغلب على معارضيه هيئات وقادة متنفذين». وتحدث إيلات عن مفهوم سعادة لفكرة «سوريا الكبرى» بكثير من التفاصيل.. ثم انتقل إلى الحديث عن نظرته إلى «الوطن القومي اليهودي» والصهيونية، ووجدت أنه قرأ كتبا وأدبيات صهيونية. واستمد أفكاره عن اليهود من خلال اتصالاته مع يهود البرازيل والولايات المتحدة. «وفي احد أحاديثه عن هذه المواضيع رفض سعادة الصهيونية كونها، كما كان يعتقد، لا تسعى إلى هضم حقوق العرب في ارض إسرائيل (فلسطين) وحسب، وإنما تتناقض مع روح اليهودية نفسها ومع مبادئها. وقال إن اليهود هم مزيج خاص من شعب ودين، وهذا يتعارض مع فلسفة الدولة. وليس من قبيل الصدفة أنهم يشكلون معضلة في كل مجتمع ودولة يسعيان إلى صهرهم. وعندما سألت سعادة ذات مرة: لماذا هو يغوص في الماضي السحيق بحثا عن أساس تاريخي لسوريا الطبيعية... ويحرّم على الشعب اليهودي ـ الشعب الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من بين جميع الشعوب القديمة في المنطقة ـ حقه في تجديد حياته في ارض وطنه، أجاب: إن ثقافة آرام كانت أونيفيرسالية (عالمية). وجديرة بأن تشكل نموذجا لدولة «سوريا الكبرى»، عندما تقوم».
وخلص إيلات إلى القول في هذا الصدد «مهما كانت الصهيونية بالنسبة إلى اليهود أنفسهم، فان سعادة اعتبرها خطرا كبيرا جدا على فكرة «سوريا الكبرى». وأشار إلى أن اليهود سيشكلون «حجر عثرة في الدولة السورية الموسعة التي طرحها سعادة في مشروعه».
لقد أسهب إيلات في الحديث عن القوى التي عارضت سعادة، على خلفية فصل الدين عن الدولة. لكنه جزم بان «هذه العقبات لم تردع سعادة وصحبه الذين تعززت حميتهم أكثر فأكثر، وكان ولاؤهم للحزب لا يعرف حدودا.
واختتم إيلات مقاله ببعض التقييمات الذاتية لمشروع سعادة فقال:
«جمع أنطون سعادة بين صفات الثوري والقائد. لكن مصدر ضعفه كان يكمن في انفصاله عن الواقع، الذي نشط في ظل ظروفه منذ وصوله إلى لبنان في سنة 1932. وكان تشوب استراتيجيته السياسية بعض العيوب، بسبب عجزه عن تقييم الحقائق، والتمحيص في تأثيرها على خططه. «إن سعيه إلى إلغاء الأطر الطائفية كان ضربا من المبالغة وعدم الواقعية. كما أن محاولته اقتلاع القومية السورية من أرضيتها العربية، أثارت غضب قطاعات واسعة من الجمهور العربي ـ الإسلامي، حتى أنها لم توفر له الدعم من قبل الطوائف الأخرى. والصورة والأفكار التي اكتسبها من سوريل وغيره حملته على ركوب مغامرات لم يكن لها أساس، وتفتقر إلى إمكانات النجاح وأُعدم بجريرتها».

                                                       
وهناك باحث آخر هو يوسف أولمرت، وهو مستشرق وشقيق رئيس حكومة إسرائيل السابق إيهود أولمرت، أدلى بدلوه بعرض تحليلي مهم مقتبس من كتابه «سوريا المعاصرة» أورد منه بعض المقاطع:
يقول أولمرت إن «الإيديولوجيا التي أرسى ركائزها أنطون سعادة في البرازيل، تقوم، بين أمور أخرى، على إيديولوجية الحزب الفاشيستي المحلي («الانغرالي»). لكن أولمرت يلاحظ أن «فلسفة سعادة قامت على المفهوم العلماني القومي الذي رفض الانقسام على أساس ديني». واقتبس أولمرت من كتاب سعادة «نشوء الأمم» الذي جزم فيه أن هناك «هوية سورية خصوصية، وأن الجغرافيا والتاريخ أصبغا على سكان «سوريا الكبرى» هوية قومية تختلف عن هوية سائر العرب». وأضاف أولمرت أن: سعادة جزم بأن في الشرق الأوسط، كما في مناطق أخرى في العالم، كانت الجيوبوليتيكا المفتاح لفهم مسارات تاريخية، وفهم الاختلاف بين المجتمعات والقوميات. وأكد أن ثمة اختلافا جوهريا بين سكان «سوريا الكبرى» وعرب شبه الجزيرة العربية أو مصر. وبحسب مفهومه، فان الجغرافيا هي التي شكلت سوريا الكبرى وحولتها إلى كيان جيوبوليتيكي متميز».
ويوضح أولمرت أن «هذا المفهوم وضع فكرة «سوريا الكبرى» في مركز الصدارة، رافضا الوضع الراهن الإقليمي، الذي نشأ في عهد الانتداب. لكن أنطون سعادة طور نطاقا إيديولوجيا واسعا، شمل أيضا ماهية الدولة السورية. وكان أول من أرسى في العالم العربي (إذا لم يكن في الشرق الأوسط كله) إيديولوجيته على المفهوم العلماني. وبحسب قوله فإن العلمانية تشكل سندانا مستقرا الذي يمكن الطوائف والديانات المختلفة في «سوريا الكبرى» من إيجاد عامل مشترك يتبلور بواسطته كيان سياسي واحد، وبهذا تأثر من دون شك بثورة كمال أتاتورك العلمانية في تركيا».
ويتابع أولمرت قراءته لمفهوم سعادة بقوله «ثمة أساس مهم آخر في عقيدة سعادة، هو الحاجة إلى إصلاحات اجتماعية. واعتقد أنه يمكن تطبيق هذه الإصلاحات بروح الأنظمة التوتاليتارية الفاشية. ولا سيما وفق النموذج الإيطالي... أو على الأقل النموذج الألماني». لكن أولمرت استدرك قائلا: «إن فلسفته لم تكن عنصرية في أساس الأمر»، مضيفا أن «إيديولوجيته جذبت الكثيرين من الشبان العرب، من جميع أبناء الطوائف والأديان في سوريا ولبنان وفي ارض إسرائيل أيضا (فلسطين)، لأنه استشرف حلا شاملا، قوميا واجتماعيا، ووفر الحلول لمشكلات الهوية، التي برزت لدى قسم من السكان المحليين. وانخرط أنصار سعادة في المجالات المختلفة للسياسة العربية خلال الأربعينيات والخمسينيات والسيتينبات، وحتى خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن».
وقبل الانتهاء من عرض قراءة أولمرت لفكر سعادة ومشروعه، لا بد من الإشارة إلى أن أولمرت هذا ذكر أن الكثيرين من المثقفين العرب تأثروا بفكر سعادة مثل الشاعر سعيد عقل «وأوائل المفكرين الذين كانوا ينتمون إلى م.ت.ف. (مثل الأستاذين هشام شرابي وفايز الصايغ اللذين طورا «فكرة الدولة العلمانية الديموقراطية»). وأشار إلى أن الكثيرين من أصحاب المناصب الرفيعة في الأحزاب السورية المختلفة هم من تلامذة سعادة. وهكذا يقول أولمرت إن «أهمية أنطون سعادة وحزبه الأساسية كانت تكمن في البنية التحتية الفكرية التي منحاها للكثيرين من الشباب، والأساس الإيديولوجي الذي وفراه لحركات كثيرة في المنطقة». 

 منتدى الشاهد

الأربعاء، 7 يوليو 2010

حزب سعادة لا يذهب إلى أحد









61عاماً مرت على رصاصات فجر السابع من تموز 1949، على مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أنطون سعادة. التزم بعض الحزبيين قَسَمهم فربّوا أسراً قومية، بينما ابتعد آخرون. وفي وقت توقف فيه الحزب عن التبشير بالنهضة، يجد أهله دائماً من يطرق بابهم.
غسان سعود
في شارع الحمرا، بعد مقهى الشيوعيين بعشرات الأمتار، هناك مقهى القوميين. وفي آخر الشارع نفسه، مقهى آخر بين طاولة وأخرى هناك غالباً طاولة للقوميين. ومن الحمرا إلى المقدسي، الوجوه نفسها تجتمع يومياً في أحد المطاعم القريبة من منفّذية الطلبة في الحزب السوري القومي الاجتماعي. للقوميين أكثر من مطاعمهم الخاصة ومقاهيهم. لديهم أسماؤهم الخاصة، رنّات هواتفهم، مطربهم ومناطقهم. لكنّ القوميين يعتقدون أن اتهامهم بالتحول إلى طائفة يتزوج أبناؤها بعضهم بعضاً ولا يتحاورون إلا مع أنفسهم ويغلقون أبواب منازلهم بوجه من ليس منهم... يحمل الكثير من التجني. يوافقون على أن ثقلهم اليوم في الكورة وبعض المتن الشمالي وبعض عاليه، لكنهم يؤكدون حضورهم في جميع المناطق اللبنانية، واستعدادهم الدائم لأن ينشطوا حيث يستطيعون.

وعي بالوراثة
هنيبعل كرم (مواليد الكورة عام 1975) واحد من العائلة القومية. «طبعاً، تنقّل الوالد، فايز كرم، بين مواقع قياديّة عدّة في الحزب، وأنا ربيت بالجو: اجتماعات حزبية في المنزل، قضايا الحزب قبل الطعام وبعده وقبل النوم وبعده، تشجيع على المشاركة في النشاطات الكشفية، والكتب والصحف الحزبية تملأ المنزل. كان والدي حريصاً على الالتزام بقسمه الحزبي وتربية عائلة قومية».
بداية المسيرة أو السيرة الحزبية كانت مع الأشبال، الذين أخذه والده إليهم قبل بلوغه سن الرابعة. لاحقاً، بعدما تهجّرت أسرته من الأشرفية إلى الكورة بسبب موقفها السياسي المعلن، انتقل والده من العمل الصحافي إلى العمل في فرن، ما أثار إعجاب هنيبعل، وحفّزه على الاهتمام أكثر بالحزب ليكون على صورة والده في النضال ومثاله.
في المخيمات الحزبية، تعرّف إلى روحية جديدة بين «الرفاق» تختلف عن العلاقات الاجتماعية التي ألفها، سواء من حيث الاحترام المتبادل أو في توطيد العلاقات. وكان المعنيون يشددون على شرح معنى كلمة «اجتماعي» التي ترد في اسم الحزب. فالتوجيهات كانت واضحة: عليكم أن تكونوا فاعلين في الإطار الاجتماعي، حاضرين في النشاطات كلها، ومستعدين دائماً لنسج علاقات مع محيطكم، آخذين في الاعتبار أنّ ثمة عدواً واحداً هو إسرائيل، وأن تقتدوا طبعاً بأفكار أنطون سعادة عن المجتمع الواحد لا المجتمع الانعزالي.

تحوّل طائفة أعضاؤها يلتفّ بعضهم حول بعض لديهم مناطقهم ومقاهيهم
لكن، ألم يتحوّل الحزب إلى طائفة، أعضاؤها «يلتمّ» بعضهم حول بعض، لديهم مناطقهم وشوارعهم ومقاهيهم ونواديهم؟ أبداً، يردّ هنيبعل، قبل أن يستدرك محمّلاً العصبية الحزبية المسؤولية عن ظهور القوميين في بعض الحالات كأنهم لا يحبّون إلا أنفسهم.
في الجامعة اللبنانية، قسم الفلسفة، طلب الحزب من هنيبعل أن يتواصل مع الطلاب من دون أن يكشف هويته. لماذا؟ هكذا أسهل، يرى هنيبعل، ويكمل شارحاً: خرجنا من حرب ومشاكل حزبية تقلق المواطنين وتخيفهم من كل ما هو حزبي. إضافةً إلى أن القوى الإسلامية النافدة في طرابلس تعدّنا كفّاراً.
يتجنب هنيبعل لاحقاً الإجابة عن سؤال بشأن ما فعله الحزب للحد من الأفكار المسبقة السلبية تجاهه، ولمخاطبة المواطنين بثقة أكبر بالنفس. ويؤكّد أنه يشجع الوصول إلى ما يريده دون أن يضع زوبعة على صدره إن كان هذا الأمر سيعوق تحقيقه لهدفه.
لاحقاً، تزوجت قوميّة؟ طبعاً. لماذا طبعاً؟ في الحب لا تستطيع التحكّم كثيراً، لكنني حرصت على تكوين حياتي ضمن هذا الإطار. وهذا الأمر مرتبط بطبيعة حياة القومي، هو شخص يعيش المصطلحات الحزبية. هو ليس مجرد منتسب إلى نادٍ أو جمعية، هو قومي في حياته اليومية عبر سلوكه وتعاطيه مع الناس. وأنا، يتابع هنيبعل، ملتزم بقسَمي وسأتحمّل كوالد مسؤوليتي عن توعية أولادي، وتشجيعهم على أن يكونوا قوميين.
لكن ألا يود الاتعاظ من تجربة والده، وعدم إذاقة أبنائه الكأس المرّة التي تذوّقها؟ أبداً. أكثر ما يعتز والدي به بعدما خسر الكثير في سبيل الحزب هو تربيته أبناءً قوميّين.
يبقى سؤال أخير: يعجبك الحزب في حالته الحالية؟ أكيد. فبعد كل ما مرَّ به من صعاب، صمد، عقيدته صلبة، فكره نقي وما زال قادراً على دخول الطوائف كلّها. ولو كان يصله ما يصل غيره من دعم معنوي وسياسي ومادي لابتلعها جميعاً.

توأمة الفكر والأمن
الأكيد أنّ كثيرين من القوميين لم يلتزموا بقسمهم، فابتعد أبناؤهم عن مبادئ الحزب. في المقابل، يُسمع في الحزب بين الحين والآخر طرق للباب من راغبين في الدخول لا يحملون جواز مرور عائليّاً. من هؤلاء مهنا البنا (مواليد عاليه 1982). أهله المتديّنون جداً كانوا يعتقدون خلافاً لكثيرين في بلدته، شارون في عاليه (بلدة الشهيدين القوميين حسين البنا ووجدي الصايغ)، أن الحزب القومي يحارب الأديان، ويهدّد بالتالي الطائفة التي ينتمون إليها. في الخامسة عشرة من عمره بدأ مهنا البحث عن وسيلة تشعره بأنه منتِج في مجتمعه. أسس مع بعض الأصدقاء حركة تنموية نظمت بعض النشاطات المتواضعة. لاحقاً، اطّلع على منشورات الحزب التقدمي الاشتراكي فأعجب ببعض الأفكار (هو الآتي من عائلة يزبكية لم يجد لدى اليزبكيين ما يقرأه)، لكن سرعان ما وصل في قراءته إلى أنطون سعادة، فبدأ سعيه وراء الحزب القومي. هكذا، ذهب هو بمبادرة شخصية إلى حزب «كان يمكن أن لا يأتي أبداً إليّ». ويتحدث مهنا في هذا السياق عن إعجابه بحزب يقرر شبابه الاستشهاد ليس طمعاً بجنة ولا أملاً بحصول عائلاتهم على مكافآت، بل سعياً وراء نهوض أمّتهم. ولاحقاً تلمس أن الاقتداء بسعادة كفيل بعدم إشعار أي حزبي بأنه مغبون، وهو شعور يفتقده الحزبيون في أحزاب أخرى.
اليوم، صار العمر الحزبي لمهنا تسع سنوات، نجح خلالها في تغيير نظرة أهله إلى الحزب، وبدأ التأثير في مجتمعه. يردّد بثقة كبيرة: «أنا أنتمي إلى نهضة قادرة على أن تغيّر وجه التاريخ. الانتماء إلى القومي يعطي الحزبي جرأة غير معهودة. وأقول انتماء لا انتساب لأنّ القومية السورية الاجتماعية هي مشروع حياة تلتزم به في كل لحظة. ويشير في هذا السياق إلى اتكال القومي على فكره الحزبي في كل ما يصادفه خلال حياته».
يتذكر مهنا يوم أقسم اليمين، مذكراً بأنه «لا ترداد ببغائياً لقَسَم جماعي في الحزب القومي». تُقسم بشرفك وحقيقتك ومعتقدك أن تنتمي إلى النهضة، والانسحاب لاحقاً يعني التنازل عن هذه الأركان الثلاثة. يؤكد أن من ينتسب إلى الحزب لا ينتظر وظيفة في المقابل ولا أجراً شهرياً.
ما سر التوأمة بين الفكر والأمن في الحزب القومي، بالنسبة إلى مهنا؟ تبقى ملامحه على جمودها، ويرد: «هذه التوأمة ضرورية لاستمرارية الحزب العلماني. فللأحزاب الطائفية مقدسات تمنع المسّ بها. أما الحزب العلماني، فلا شيء يحميه ويحتاج إلى أن يحمي نفسه بنفسه. وحين سيفقد الحزب هيبته الأمنية سيستسهل كثيرون القفز فوقه».
بالمنطلق ذاته يتحدث مهنا عن التضامن الحزبي، فيرى أن الفرقة تشتّت، والحزبيين مضطرون إلى هذا التضامن ليحافظوا على أنفسهم. ويرى مهنا أن الحزب الذي عرف كيف يبقى موحّداً حول أفكاره رغم العواصف التي مرّ بها، يخرّج اليوم أشبالاً قادرين على أن يشرحوا أفكار الحزب.
بين هنيبعل ومهنا يبدو القومي اليوم واثقاً بنفسه، يتصرف غالباً باعتباره المالك الحصري لمفاتيح النهضة، مثقفاً ومسلّحاً، يستصعب الانسجام مع غير القومي، سواء أكان في المقهى أم في الجامعة أم في المنزل. نقاط قوة هذه أم ضعف؟ التجربة القومية نفسها تصعِّب التحديد.

 عن ألأخبار