لم يكن إحياء ذكرى النكبة في 15أيار لهذا العام 2011 إحياء تقليدياً روتينياً كما درجت العادة على مدى سنين طويلة, بل كان إحياء له معانية ودلالاته التي وصلت إلى كل أصقاع الدنيا بعد أن بات الشعب العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً فاقد للأمل في حل هذه القضية بالمفاوضات السلمية نتيجة الصلف والغطرسة والتعنت الإسرائيلي المدعوم بلا حدود من قبل الولايات المتحدة والعالم الغربي.
فإقتحام الأسلاك الشائكة التي بناها العدو على خطوط إحتلاله في الجولان وجنوب لبنان بدت أوهن من خيوط العنكبوت أمام إرادة شباب صمم أن يقتلعها وهو عاري الصدر وفارغ اليدين إلا من إيمانه بقضيته الذي لا حدود له, ويرفع أعلام سورية وفلسطين في قلب مجدل شمس. هؤلاء الشباب عبَّروا عن إرادة أمة بالكامل, بمعزل عن بعض حكامها المنبطحين, وأن العودة إلى فلسطين هي قضية وقرار غير قابل للتفاوض أو التنازل عنه مادام هناك دم عربي يسري في عروق ابناء هذه الأمة. فرسالتهم للعالم في 15 أيار أن صبرنا قد نفذ وأن كذب الولايات المتحدة لم يعد مقبولاً, وإنحيازها الكامل لإسرائيل ودعمها غير المحدود لها لا يغير شيئاً في المعادلة ولا يخيفنا, فحقنا في العودة إلى فلسطين لن نتخلى عنه مهما طالت السنين وازداد إجرام العدو الإسرائيلي.
ورسالتهم لبعض الحكام العرب المنبطحين أمام الأمريكي والإسرائيلي أن عيوننا تراقب وتشاهد كل شيء فإياكم اللعب بقضايا الشعوب لأنها كما السكين الحادة إن أسأتم إستعمالها فإنها تقطع أياديكم, بحسب تعبير الكاتب الجزائري الكبير الطاهر وطار.
ما حصل في 15أيار كان استثنائياً بكل المعايير ويمكن القول أنها بداية لمرحلة نضالية جديدة من حيث الشكل والأسلوب والتكتيك وترعب الاسرائيلي أكثر مما ترعبه الصواريخ والطائرات.
كم كنا ننتظر فتوى من شيوخ التحريض الديني والمذهبي على أن يكون يوم الجمعة الأول من كل شهر قمري يوم التظاهرات والاعتصامات داخل فلسطين وعلى حدودها وفي كل العواصم العربية والإسلامية. ولكن هؤلاء غير معنيين بفلسطين ولا بالقدس لأنهم على دين أسيادهم الحكام, وإنما معنيين بتمزيق الأمة العربية والإسلامية وتشويه صورة الاسلام خدمة لأجندات حكامهم وخدمة لمصالح إسرائيل وأمريكا وإرضاء لذواتهم الحاقدة وبصائرهم العمياء. هؤلاء "المشايخ" مع الإعلام المسترزق من شيوخ النفط والغاز لاهمَّ لهم اليوم وفي المرحلة السابقة إلا الافتراء والكذب على سورية وشعبها والرقص بألسنتهم كما ألسنة الأفاعي على دم شعب سورية, فلم تحرك لديهم ذرة من أحاسيس الإنسان, مشاهد الأطفال والطفلات على صدور أمهاتهن الثكالى يبكين آبائهن من ضباط وصف ضباط وجنود ورجال شرطة وأمن بعد أن طالتهم يد الغدر والإجرام بتحريض منهم ومن حكامهم وعملائهم وأزلامهم. والمخجل أنهم يصفون المجرمين والقتلة والمهربين والمتعصبين التكفيريين ممن يرفعون أسلحتهم في وجه الدولة والشعب أنهم (ثوار), وليتهم كانوا كذلك ورفعوا شعارات وطنية وبطريقة حضارية لكنا أول من وقف معم لأن الشعارات الوطنية توحد المجتمع وأما شعارات التكفير والفتنة وفتاوى القتل والإغتصاب ونبش الأحقاد فهذه لا يمكن لها أن تكون وطنية, إنها شعارات مجرمين وخونه ومتآمرين على وحدة الوطن وحتى لو تساهلت الدولة معهم فإن أهالي من استشهدوا على يد هذه العصابات ومن خلفهم شعب سورية لن يتساهلوا. والأنكى أنهم يرتمون بحضن الإسرائيلي و الأمريكي وعلى وعي ومعرفة من الجميع ويطلبون منهم التدخل العسكري في سورية ويتهمون غيرهم بأنهم متفاهمين مع إسرائيل للتغطية على عمالتهم وتآمرهم مستهزئين بوعي الناس وفهمهم.
ففي الوقت الذي تشير فيه صحيفة معاريف الإسرائلية يوم 9/5 "أن الفوضى في سورية تخدم اسرائيل, وأن لا أحد في اسرائيل سيذرف دمعة على تفككها ", وفي ذات الوقت الذي يصرح به رئيس الموساد السابق/مائيردوغان/ "أن اسرئيل ستكون أفضل حالاً إذا انهار النظام في سورية", فإن هذه المجموعات المسلحة تمضي قدماً في تمردها وترويع الناس وزعزعة الأمن وخلق الفوضى والتحريض الطائفي, تماماً كما ترسم إسرائيل.
والبعض وصلت به الوقاحة والتزييف إلى حد السخرية من الإعلان عن وجود جماعات مسلحة رغم أن العديد من أفراد هذه الجماعات اعترفوا بألسنتهم عن دورهم في القتل والتخريب ومجابهة الجيش.
لقد تابع الجميع في 15أيار كيف كان العدو الصهيوني يقتل أبنائنا في فلسطين وعلى حدودها وكيف كانت أدواتهم في الداخل تقتل أبناء القوات المسلحة السورية فكانت الصورة متكاملة بين العدو الخارجي والعدو الداخلي ضد أبناء شعب سورية ،والمقصود هنا هم فقط أولئك الذين حملوا السلاح ووجهوه للداخل .
لقد كان الحديث في الماضي حديثاً عاماً عن صراع بين مشروعين في المنطقة أحدهما أمريكي ـ إسرائيلي مدعوم من أطراف عربية, وآخر مقاوم وممانع لهذا المشروع. أما في 15 أيار 2011 فقد تفاقم هذا الصراع وتبلور كلية ليصبح مشروعاً تآمرياً واضحاً بين من يريد تحرير الأرض وحق العودة وبين من يقف في خندق العدو ويقاتل نيابة عنه كي يترسخ الاحتلال ويزول أي أمل بالعودة,وتبقى اسرائيل قوية وداعمة لأنظمتهم وعروشهم. فتحالف الملكيات(العربية) مع أمريكا وإسرائيل أصبح واضحاً وضوح الشمس, بل باتت هذه الملكيات تعلن ما كانت تخفيه من أن قوتها من قوة أمريكا وإسرائيل والعكس صحيح.
لم نسمع بعض الأقلام والألسن في السنوات الماضية إلا وهم يلومون سورية لأن جبهة الجولان(هادئة) وعندما تتحرك جبهة الجولان يكيلون الإتهامات لسورية لأنها حركت جبهة الجولان وذات الشيء ينطبق على الجنوب اللبناني, فإذا توقفحزبال عن إطلاق النار يكيلون له الشتائم والإتهامات, وإن خرجت قذيفة من الجنوب من أي طرف حتى لو كان غير حزب ال يتهمون بها حزب ال فوراً وينهالون عليه أيضاً بالإتهامات والشتائم وتعريض لبنان للخطر. إنهم في المحصلة لا يريدون مقاومة لا من حزب ال ولا من غيره ولا مطالبة بالحقوق من قبل سورية أو الشعب الفلسطيني, إنهم يريدون الاستسلام لشروط إسرائيل بالكامل بل و التحالف معها في وجه(العدو) الوهمي الذي خلقته لهم أمريكا وإسرائيل بدلاً من العدو الحقيقي الذي هو إسرائيل.
رسالة 15 أيار 2011 كانت قاسية على إسرائيل وحليفه الأمريكي الذي لا يبصر إلا بعين واحدة فقط, وازدواجية المعايير في السلوك والتصريحات باتت غير محرجة وغير مخجلة له وأخرها كان تصريح الرئيس أوباما حول التظاهرات على حدود فلسطين. فإسرائيل اعتقدت أن الشباب الفلسطيني في الخارج نسوا فلسطين وأنهم في الداخل قادرين على لجمهم وتطويقهم, بل وحتى الحد من نسلهم وتسبيب العقم لبناتهم بالطرق الإجرامية التي اتبعوها في أوائل الثمانينيات عندما كانوا يضعون مواد مشعة على نوافذ مدارس البنات في الضفة الغربية مجرد استنشاقها تسبب العقم لدى البنات. وهذا نفس الأسلوب الذي استخدمه المستعمر الأمريكي ضد الهنود الحمر حيث أبادوا مائة مليون هندي أحمر وإحدى طرق الإبادة كانت وضع مواد مشعة في مياه الشرب في أماكن تواجدهم التاريخية في ولايات: أوكلاهوما ونبراسكا وداكوتا الجنوبية والشمالية, وولاية واي أومنغ, وإنديانا, تسبب العقم والإجهاض أو ولادة جنين مُشوَّه وهذه المعلومات من ناشطين من الهنود الحمر المتبقين أنفسهم. وفوق كل هذا يحدثونك عن حقوق الإنسان !!!!!!.
إن ما حصل في سورية خلال هذه الفترة أوضح جلياً مدى عشق السوريين لوطنهم, والعشق هو أقوى ضروب الحب, بل هو الإفراط في الحب, وعشق الأرض والوطن من أصدق ألوان العشق, وما بالغ أحمد شوقي عندما قال:
وطني لوشُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
هذا العشق هو ما جعل جنازات الشهداء اشبه بالأعراس الأنيقة الجميلة, فالأناقة لها أشكالها المتعددة ولكن أروعها وأجملها أناقة الإستشهاد ولعل أجمل ما ينطبق على هذه الأعراس هو عنوان الرواية الأولى التي كتبها الأديب السوداني الكبير المرحوم الطيب صالح ( عرس الزين ).... فالزين في ( عرس الزين ) هو "ولي من اولياء الله" ولعله نبي الله الخضر, أو هو ملاك أنزله الله في هيكل آدمي, وهكذا هم الشهداء الذين يستحقون منا كل الرحمة. وإلى لقاء جديد وتظاهرات واعتصامات تطوق كيان اسرائيل من كل مكان ... فهلموا يا شباب الأمة ........